الأمم المتحدة: انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في إريتريا وسط تعنت حكومي

خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان

الأمم المتحدة: انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في إريتريا وسط تعنت حكومي
دولة إريتريا - أرشيف

في تقرير أممي صارخ، حذر المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في إريتريا، محمد عبد السلام بابكر، من استمرار الانتهاكات الممنهجة والجسيمة لحقوق الإنسان في البلاد، مشيرًا إلى تصاعد القمع وتدهور الحريات العامة ورفض السلطات الإريترية التعاون مع آليات الأمم المتحدة.

وجاء التقرير ضمن الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة في جنيف حتى 9 يوليو الجاري، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه.

وأكد المقرر الخاص أن حالة حقوق الإنسان في إريتريا لا تزال مثيرة للقلق، حيث يشير الواقع إلى غياب تام لسيادة القانون، واستمرار الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري، وتفشي أنماط التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، إلى جانب الخدمة العسكرية الإلزامية التي لا تخضع لأي ضوابط زمنية وتُستخدم كأداة قسرية.

وأشار التقرير إلى أن الحكومة الإريترية لم تظهر أي بوادر تحسن في سجلها الحقوقي، بل واصلت تجاهل مطالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بإجراء إصلاحات جوهرية. كما لم تسمح للمقرر الخاص بدخول البلاد منذ تعيينه، رغم دعوات مجلس حقوق الإنسان المتكررة، ما يُعد انتهاكا صارخا لالتزاماتها الدولية.

وسلط التقرير الضوء على ظروف الخدمة الوطنية والعسكرية التي تفرض على المواطنين دون سقف زمني، وتستغل في أعمال مدنية قسرية، مع تعرض المجندين لمعاملة مهينة وحرمان من حقوقهم الأساسية. كما دعا إلى احترام المدة القانونية للخدمة، والتحقيق في مزاعم التعذيب والانتهاكات المرتكبة في هذا السياق، وتقديم الجناة إلى العدالة.

وأكد المقرر الخاص أن آلاف الإريتريين، بمن فيهم المعارضون السياسيون والناشطون الدينيون والصحفيون، ما زالوا محتجزين بشكل تعسفي، وبعضهم منذ أكثر من ثلاثة عقود دون محاكمة أو تهم واضحة. ودعا إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، وضمان حقوق المحتجزين وفقا للمعايير الدولية، بما في ذلك قواعد نيلسون مانديلا لمعاملة السجناء.

وأشار التقرير إلى تزايد القيود المفروضة على حرية الدين والمعتقد، حيث تتدخل الدولة بشكل ممنهج في الشؤون الدينية وتفرض قيودا صارمة على الجماعات غير المعترف بها، بما فيها مجتمعات دينية في الشتات. كما يتم اضطهاد أفراد بناء على معتقداتهم، وحرمانهم من حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، ما يشكل انتهاكا للحق في حرية الوجدان والمعتقد.

وأوضح التقرير أن الحكومة تفرض رقابة صارمة على وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وتمنع إنشاء جمعيات مستقلة أو أحزاب سياسية. كما لا يسمح للمواطنين بالمشاركة في الشؤون العامة أو التعبير عن آرائهم بحرية. وأدان المقرر الخاص استمرار القمع العابر للحدود، حيث تمارس الدولة الترهيب والمراقبة على الإريتريين المقيمين في الخارج، بما في ذلك تهديدات طالت لاجئين وناشطين.

ووفق التقرير، فإن القمع الممنهج دفع آلاف المواطنين للفرار من البلاد، رغم المخاطر الكبيرة على الحدود. وأشار إلى أن اللاجئين الإريتريين يتعرضون لانتهاكات خطيرة، بما في ذلك الإعادة القسرية والاحتجاز وسوء المعاملة في بلدان العبور. وحث المقرر الخاص المجتمع الدولي على توفير الحماية اللازمة لهؤلاء اللاجئين، وضمان عدم إعادتهم إلى بلد قد يتعرضون فيه لانتهاكات جسيمة.

رغم النداءات المتكررة، لم تبد الحكومة الإريترية أي استعداد للتعاون مع آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك رفض زيارة المقرر الخاص أو تقديم تقارير ذات مصداقية. وأكد التقرير أن هذا التعنت يعكس سياسة رسمية لرفض المساءلة وتكريس الإفلات من العقاب، داعيا إلى استمرار مراقبة الوضع عن كثب، وعدم سحب إريتريا من جدول المتابعة الأممي حتى تتحقق إصلاحات ملموسة.

وفي توصياته، دعا التقرير إلى إجراء إصلاحات هيكلية شاملة تشمل الإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، ووضع حد للاختفاء القسري والتعذيب، وإنشاء مؤسسات مستقلة لتطبيق العدالة، وتحقيق الشفافية والمساءلة، واحترام حرية التعبير والمعتقد.

كما طالب بتطوير آليات مساءلة خارجية لملاحقة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان، وممارسة الولاية القضائية العالمية ضد المسؤولين عنها، بما يشمل الأفراد والشركات المتواطئة.

وأوصى بإدراج ضمانات حقوق الإنسان في كافة أشكال التعاون التنموي والاستثماري مع إريتريا، بما في ذلك المشاريع الإقليمية، وعدم توفير أي دعم دون شروط تتعلق بتحقيق تقدم ملموس في سجل حقوق الإنسان.

واختتم المقرر الخاص تقريره بالتأكيد على أن حالة حقوق الإنسان في إريتريا لا تزال تتطلب اهتماما عاجلا من المجتمع الدولي، مطالبًا الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان بمواصلة الضغوط وتقديم الدعم للضحايا واللاجئين، ومواكبة الجهود الرامية إلى إنهاء القمع وتوفير بيئة آمنة للمجتمع المدني داخل البلاد وخارجها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية